فلسطين- صمودٌ في وجه الإبادة، ارتباط أبدي بالأرض والهوية.

المؤلف: أحمد إبسيس10.07.2025
فلسطين- صمودٌ في وجه الإبادة، ارتباط أبدي بالأرض والهوية.

على مدار العام المنصرم، أزهق العنف الإسرائيلي الوحشي أرواح ما يناهز 42,000 فلسطيني في قطاع غزة المحاصر. وثمة تقديرات تشير إلى أن الحصيلة الموجعة للضحايا تتجاوز الـ 180,000. وفي الوقت ذاته، شنت قوات الاحتلال الإسرائيلي غارات دموية متكررة على الضفة الغربية، مما أدى إلى استشهاد أكثر من 740 فلسطينيًا.

وفي الشهر الفائت، وسعت القوات الإسرائيلية دائرة عنفها لتطال لبنان، حيث لقي أكثر من 500 شخص مصرعهم في الثالث والعشرين من سبتمبر/أيلول. وفي غضون أسبوعين فقط، ارتكبت إسرائيل مجزرة مروعة أودت بحياة ما يزيد على 2,000 شخص في لبنان.

اقرأ أيضا

list of 2 items
list 1 of 2

فاطمة تحارب الجوع في غزة لتنقذ جنينها

list 2 of 2

أم غزية تجد ابنها بين الجثث المجهولة وتحمد الله أنه كامل

end of list

لقد عمدت القوات الإسرائيلية إلى تدمير أحياء سكنية بأكملها في غزة، وتسويتها بالأرض بالجرافات، وقصف البنية التحتية الحيوية ومنشآت الخدمات العامة، وتدمير المباني السكنية بلا هوادة. كما طال التدمير المرافق الصحية والتعليمية الحيوية، ومحطات المياه الضرورية ومحطات توليد الكهرباء الحيوية والألواح الشمسية التي تضيء المنازل. باختصار، سعت إسرائيل جاهدة إلى القضاء على كل ما يدعم مقومات الحياة الأساسية في غزة.

أصدرت إسرائيل أوامر جائرة للفلسطينيين بإخلاء غالبية مناطق القطاع، مما أجبرهم على التكدس في 16٪ فقط من مساحته المحدودة. وتم تطبيق هذه الإستراتيجية القاسية نفسها في أجزاء من الضفة الغربية، والآن تتوسع لتشمل لبنان.

يُقال للناس بوعود زائفة إن بإمكانهم العودة إلى ديارهم عندما تنتهي "العمليات العسكرية" الإسرائيلية المزعومة. لكننا نعلم جميعًا أن الهدف الحقيقي الكامن وراء هذه المجازر المروعة هو إخلاء الأرض من سكانها الأصليين تمهيدًا لاستيطانها من قبل آخرين. لقد حدث هذا من قبل، خلال النكبة المأساوية عام 1948، ولم يُسمح للفلسطينيين بالعودة إلى منازلهم التي طردوا منها قسرًا، على الرغم من وجود قرار صريح من الأمم المتحدة يطالب بذلك. ولهذا السبب القاطع، لن يغادر الفلسطينيون أرضهم أبدًا.

قد يبدو لبعض الغرباء أن ارتباط الفلسطينيين بأرضهم أمر عصي على الفهم. إنه أمر غير مفهوم بشكل خاص لأولئك الصهاينة الذين طردوا جموعًا غفيرة منا، متأملين أن ننتقل إلى مكان آخر في العالم العربي الفسيح، ونتكيف هناك مع حياة جديدة. لكن الشعب الفلسطيني الأبي لم يتخلَّ أبدًا عن حقه الشرعي الثابت في أرضه المقدسة منذ أكثر من سبعة عقود من الزمن.

إن السؤال عن سبب رفض الفلسطينيين مغادرة منازلهم وأراضيهم على الرغم من القصف المستمر والمداهمات الغاشمة، والتوسع الاستيطاني المتواصل والتجريد الاقتصادي الممنهج، هو سؤال عميق وشخصي وجوهري بالنسبة للهوية الفلسطينية الراسخة. لا يتعلق الأمر بمجرد الجغرافيا أو ملكية العقارات فحسب، بل هو ارتباط عميق بالأرض متجذر في أعماق التاريخ الفلسطيني العريق والثقافة الأصيلة والذاكرة الجمعية الخالدة. نعم، هناك عناد وإصرار في هذا القرار، ولكنْ هناك أيضًا فهم عميق بأن مغادرة الأرض تعني قطع صلة استمرت لأجيال متلاحقة.

بالنسبة للفلسطينيين، للأرض مكانة خاصة في ثقافتهم ووعيهم الجماعي. وشجرة الزيتون المباركة هي رمز مثالي يجسد هذا الارتباط الوثيق. فالزيتون شجرة عريقة، قوية، ومتجذرة بعمق في الأرض، تمامًا كالشعب الفلسطيني الصامد. تعتني العائلات بهذه الأشجار المعمرة كما تعتني بتراثها الثمين. وعملية حصاد الزيتون المبارك وعصره وتحويله إلى زيت نقي ثم مشاركته مع الأحبة هي فعل مقدس من أفعال المحافظة على التراث الفلسطيني العريق.

ولهذا السبب بالتحديد، يحب الجيش الإسرائيلي والمستوطنون المتطرفون مهاجمة بساتين الزيتون الفلسطينية الخضراء. فتدمير شجرة زيتون معمرة ليس مجرد هجوم على سبل عيش الفلسطينيين البسطاء، بل هو هجوم سافر على هويتهم الوطنية الراسخة. وتنعكس محاولة إسرائيل المحمومة لمحو هذه الهوية المتأصلة في حربها المستمرة على أشجار الزيتون الفلسطينية. فمنذ عام 1967 وحتى عام 2013، اقتلعت إسرائيل بشكل ممنهج حوالي 800,000 شجرة زيتون شامخة.

إن الارتباط الوثيق بالوطن الغالي موجود حتى بيننا نحن الفلسطينيين المنتشرين في الشتات القاسي. لقد وُلدتُ في نابلس بالضفة الغربية المحتلة، لكنني نشأت وترعرعت خارج فلسطين الحبيبة. وعلى الرغم من هذا البعد الجغرافي، لم أشعر يومًا بأنني انفصلت عن الأرض الفلسطينية المقدسة.

اضطرت عائلتي إلى الفرار من ديارها خلال الانتفاضة الثانية. فقد رأى والدي بأم عينيه الجيش الإسرائيلي الغاشم يستولي على أرض جدي الطاهرة ويحولها إلى نقطة تفتيش عسكرية، وكانت والدتي تتعرض لإطلاق النار من المستوطنين الحاقدين أثناء ذهابها إلى العمل الشاق. لم يكن قرارهم بالهجرة قرارًا طوعيًا؛ بل كان عملًا يائسًا من أجل البقاء على قيد الحياة.

خلال العقدين الماضيين، عدتُ إلى فلسطين بانتظام، وشاهدتُ المستوطنين وهم يزحفون بخطى ثابتة على الأراضي الفلسطينية، محاولين تهجير المزيد من الفلسطينيين من منازلهم قسرًا. ما أتذكره كطفل من تجمعات بسيطة للمنازل غير القانونية أصبح الآن مدنًا كاملة، تحاصر البلدات والقرى الفلسطينية من جميع الجهات.

لكن مع احتراق أشجار الزيتون الفلسطينية المعمرة، وتحويل مياهها وسرقتها، وهدم المنازل بلا رحمة، رأيت أيضًا المقاومة الباسلة والصمود الأسطوري. كان الفلسطينيون ينصبون خزانات المياه للصمود خلال فترات انقطاع المياه المتعمد من قبل الإسرائيليين. كانوا يعيدون بناء منازلهم المتواضعة ليلًا بعد هدمها، وكانوا يُهرعون لتقديم المساعدة العاجلة لمجتمعات منكوبة مثل حوارة عندما تقع هجمات المستوطنين الغاشمة.

في العام الماضي، أصبح العنف الإسرائيلي إباديًا بشكل واضح، لكن "صمود" الفلسطينيين الأسطوري لم يتضاءل قيد أنملة. فمن جنين الباسلة إلى غزة الصامدة، لم يتوقف الفلسطينيون – على الرغم من الهجمات والضربات الإسرائيلية المستمرّة – عن المقاومة المتواصلة عبر الفعل البسيط المتمثل في الحياة والبقاء على قيد الوجود.

كلما حاول المحتل الغاشم جعل حياة الفلسطينيين مستحيلة، كان الفلسطينيون الأبطال يبتكرون حلولًا مؤقتة لجعلها ممكنة – سواء كان ذلك عبر غسالة ملابس تعمل بدواسة دراجة هوائية بسيطة، أو فرن طيني بدائي مصنوع من الطين والقشّ لخبز الخبز الطازج، أو مولد كهرباء بدائي مركب من قطع عشوائية من الآلات المتهالكة. هذه مجرد أمثلة قليلة على العناد المتجسد في الصمود الأسطوري.

وفي الوقت ذاته، في الشتات القاسي، لم تغادر قلوبنا وعقولنا فلسطين أبدًا. شاهدنا بألم عميق ورعب شديد الإبادة الجماعية وهي تتكشف أمام أعيننا، وقادة الدول التي لجأنا إليها يغضون الطرف بشكل مخز. فالكثيرون في الغرب لا يعتقدون أن للحياة الفلسطينية قيمة تذكر. إنهم لا يروننا كبشر أسوياء.

لقد نشرت هذه اللاإنسانية المستمرة تجاه الفلسطينيين اليأس والإحباط المرير بين مجتمعاتنا المشتتة. ولكن ليس لدينا الحق في الاستسلام بينما يواصل أهل غزة الأبطال الحياة وسط أهوال الإبادة الجماعية المروعة. علينا أن نوقظ الصمود الفلسطيني المتأصل في داخلنا ونعبئه لنخبر المجتمعات الأخرى بأننا هنا، نحن موجودون، وسنصمد بثبات في عالم مصمم على محونا من الوجود.

إن استعارة "نحن الأرض" ليست مجرد عبارة شاعرية جوفاء. بل هي حقيقة دامغة يعيشها الشعب الفلسطيني الأبي. فعندما يُسأل الفلسطينيون "لماذا لا ترحلون؟" يجيبون بكل فخر واعتزاز "لماذا نرحل؟" هذه الأرض فلسطينية خالصة، جرى حرثها بدماء ودموع أجيال متلاحقة من الفلسطينيين. فمغادرتها تعني خسارة كل شيء. وتعني السماح بمحو تاريخنا العريق وثقافتنا الأصيلة وروحنا الجماعية الخالدة. وبعد عام كامل من هذه الإبادة الجماعية المروعة، يبقى الفلسطينيون صامدين لأنهم مصممون بكل عزم وإصرار على البقاء متشبثين بأرضهم المقدسة.

سياسة الخصوصية

© 2025 جميع الحقوق محفوظة